الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
الرجز تمد بالأعناق وتلويه *** وتشتكي لو أننا نشكيها على أن مجيء المضارع خبر أن الواقعة بعد لو قليل، والكثير الماضي. وجواب لو محذوف دل عليه تشتكي. وبعده: مس حوايا قلما نجيفها وهذا الرجز أورده أبو زيد في نوادره، والأصمعي في كتاب الأضداد، وقال: تقول: أشكيت الرجل، إذا أتيت إليه ما يشكو منه. وأشكيته: نزعت عنه شكايته. وكذا قال ابن السكيت في أضداده، وأنشد هذا الرجز. وأورده ابن جني أيضاً في سر الصناعة، وفي إلخ صائص، قال: قد تأتي أفعلت للسلب والنفي، نحو: أشكيت زيداً، إذا زلت له عما يشكوه، وأنشد هذا الرجز، وقال: أي لو أننا نزول لها عما تشكوه. وأورده ابن السكيت في إصلاح المنطق أيضاً، قال شارح أبياته ابن السيرافي: وصف إبلاً قد أتعبها، فهي تمد أعناقها. والإبل إذا أعيت ذلت، ومدت أعناقه ولوتها. وقوله: تشتكي، يقول: قد ظهر بهذه الإبل من الجهد والكلال والضمور، ما لو كانت ناطقة، لشكته وذكرته، فظهور مثل ذلك بها يقوم مقام شكوى اللسان. انتهى. والحوايا: جمع حوية، وهي كساء محشو حول سنام البعير، وهو السوية. والحوية لا تكون إلا للجمال، والسوية قد تكون لغيرها. وأنشده صاحب الصحاح أيضاً في مادة جفا، قال: جفا السرج عن ظهر الفرس وأجفيته أنا، إذا رفعته عنه. وأنشده، وقال: أي قلما نرفع الحوية عن ظهرها، ولم يتكلم بشيء ابن بري في حاشيته على الصحاح، ولا الصفدي في حاشيته عليه. ولم أقف على اسم الراجز. والله أعلم به. وأنشد بعده: الرجز والله لولا شيخنا عباد *** لكمرونا اليوم ولكادوا على أن اللام في لكمرونا في جواب القسم، لا في جواب لولا، عملاً بالقاعدة، وهي أنه إذا اجتمع شرط، وقسم، فالجواب بعدهما للسابق منهما، سواء كان أداة الشرط إن، أم لو، أم لولا، وفاقاً لابن جني، وابن عصفور. قال: ولزم كونه ماضياً لأنه مغن عن جواب لولا، وجوابها لا يكون إلا ماضياً. وفيه رد على ابن مالك في زعمه في التسهيل أن أداة الشرط إن كانت لو، ولولا، فالجواب يتعين أن يكون لهما، سواء تقدم القسم عليهما، وتأخر عنهما، كقوله: الطويل فأقسم لو أبدى الندي سواده *** لما مسحت تلك المسالات عامر وقول إلخ ر: الرجز والله لولا الله ما اهتدينا ويرد البيت الأول على الشارح في قوله: وكذا تقول: والله لو جئتني ما جئتكم، ولا تقول: لما جئتك. ولو كان الجواب للو لجاز ذلك . ويجاب عنه بأن دخول اللام على ما النافية. وما اختاره الشارح المحقق هو قول ابن عصفور في شرح الإيضاح، قال: وقد يدخلون أن على لو لجعل الفعل الواقع بعدها جواباً للقسم، كما يدخلون اللام على إن الشرطية: فيقال: أقسم أن لو قام زيد قام عمرو. ومنه قوله: الطويل فأقسم أن لو التقينا وأنتم *** لكان لكم يومٌ من الشر مظلم انتهى كلامه. وذهب في شرح الجمل إلى خلاف هذا، فجعل الشرط وجوابه جواب القسم؛ فإنه لما أنهى الكلام على روابط الجملة الواقعة جواب قسم، قال: إلا أن يكون جواب القسم لو وجوابها، فإن الحرف الذي يربط المقسم به المقسم عليه إذ ذاك إنما هو أن نحو: والله أن لو قام زيد لقام عمرو. ولا يجوز الإتيان باللام كراهة الجمع بين لام القسم، ولام لو. قال ناظر الجيش في شرح التسهيل: وقول ابن مالك بعيد، لأنه يبعد أن يكون للقسم جواب مقدر في نحو: والله لو قام زيد لقام عمرو، والله لولا زيد لقام عمرو، بل ربما يستحيل ذلك، أن المقسم عليه إنما هو قيام عمروٍ المعلق على قيام زيد، وعلى وجوده. وإذا كان المقسم عليه كذلك، فكيف يتجه تقدير جواب غير الشرط المذكور؛ إذ لو قدر جواب غير ذلك لكان شيئاً غير معلق على غيره، والفرض أن المقسم عليه إنما هو أمر معلق على شيء، لا أمر مستقل بنفسه. وإذا كان الأمر كذلك اتجه كلام ابن عصفور في شرح الجمل، واضمحل كلامه في شرح الإيضاح. فإن قيل: هذا بعينه موجود في الشرط غير الامتناعي، لأن المقسم عليه أيضاً في نحو: والله إن قام زيد ليقومن عمرو، إنما هو قيام عمرو المعلق على قيام زيد، ومع هذا فقد أتى المقسم بجوابٍ يخصه، فلم لا يقال إن الشرط يكون جواباً للقسم؟ فالجواب أن جواب الشرط الامتناعي ممتنع الوقوع، إما إذا كان حرف الشرط لو، فلأنه علق على حصول أمر فقد ثبت أن وجوده ممتنع. وأما إذا كان لولا، فلأن الامتناع معها علق على وجود شيء مقطوع بأنه موجود. وإذا كان جواب الامتناعي ممتنع الوقوع امتنع تقدير جواب القسم، إذ يلزم من تقديره أن يكون المقدر ممتنع الوقوع، ليتطابق جواب الشرط والقسم، لأن جملة القسم إنما هي مؤكدة لجملة الشرط، فيتعين اتفاق المدلولين. ولا شك أن جدواب القسم إذا قدرناه ليس ثم ما يدل على أنه ممتنع، فيلزم من تقديره حينئذ تخالف الجوابين، من حيث إن أحدهما مقطوع بامتناعه، والآخر ليس كذلك. وأما جواب الشرط غير الامتناعي فليس ممتنع الوقوع، إذا لم يكن ممتنع الوقوع فجواب القسم مساوٍ له في احتمال الوقوع وعدمه، فلذلك جاز أن يقدر مدلولاً عليه بجواب الشرط، لأن المتساويين يجوز دلالة كل منهما على إلخ ر. انتهى كلامه. والبيتان من رجزٍ أوردهما صاحب الصحاح في مادة كمر، قال: الكمر: جمع كمرة، والمكمور: الرجل الذي أصاب إلخ اتن طرف كمرته. والكمري: العظيم الكمرة. وكامرته فكمرته أكمره، إذا غلبته بعظم الكمرة. وأنشدهما. ولم يتكلم ابن بري ولا الصفدي في حاشيتهما عليه هنا بشيء. وأوردهما ابن قتيبة في باب ما أبدل من القوافي من أدب الكاتب كذا: والله لولا شيخنا عباد *** لكمرونا عنده وكادوا فرشط لما كره الفرشاط *** بفيشةٍ كأنها ملطاط قال ابن السيد في شرح أبياته: معنى كمرونا غلبونا بعظم كمرهم. والكمر: جمع كمرة، وهي رأس الذكر. والفرشطة والفرشاط: فتح الفخذين. والملطاط: شفير الوادي والنهر. وقال ابن دريد: الملطاط أشد انخفاضاً من الوادي وأوسع منه.وقال غيره: الملطاط عظم ناتئ من رأس البعير. وصف قوماً تفاخروا بعظم كمرهم، فكاد المفاخرون لهم يغلبونهم، حتى أخرج شيخهم عباد كمرته فغلبهم. انتهى كلامه. وزاد الجواليقي في شرحه بيتين بعد البيتين الأولين، وهما: الرجز يحمل حوقاء لها أحياد *** لها رئاتٌ ولها أكباد وقال في شرحه: كمرونا: غلبونا بعظم الكمرة، والكمرة: رأس الذكر من الإنسان خاصة، وزعم قوم أنه لكل ذكر من الحيوان. وحوقاء: عظيمة الحوق. والحوق بضم المهملة حرف الكمرة، وهو إطارها. والأحياد: جمع حيد، بفتح المهملة وسكون المثناة التحتية، وهو الحرف الناتئ من الشيء، نحو حيود القرن، وحيد الجبل: نادر يندر منه. ولها رئات: جمع رئة. وأكباد: جمع كبد. وليس ثم رئة ولا كبد، وأنما أراد عظمها. وقوله: فرشط، الفرشطة: أن يلصق الرجل أليته بالأرض، ويتوسط ساقيه. والملطاط، قال ابن دريد: ملطاط الرأس: جملته. والفيشة بفتح الفاء: الذكر. وعباد هذا رجل من إيادٍ له حديث. وذلك أن حيين كانا قد جعلا بينهما خطراً في المكامرة، فغلب الحي الذي فيه عباد. انتهى. وكابن قتيبة أورده عبد اللطيف البغدادي في شرح نقد الشعر لقدامة، قال قدامة: ومن عيوبه الإكفاء، وهو اختلاف حروف الروي، فيكون دالاً وذالاً وسيناً وشيناً، ونحو ذلك من الحروف المتقاربة. قال عبد اللطيف البغدادي: اختلاف حروف الروي في قصيدة هو الإكفاء، من قولك: كفأت الإناء، إذا قلبته. ويقال أيضاً أكفأت الشيء، إذا أملته. فلما اختلف حرف الروي عن وجهه الذي يجب له قيل لذلك: إكفاء. وأكثر ما يكون هذا في الحروف المتقاربة. وهذا في النثر المسجوع ليس بعيب. وأما في النظم فأكثر ما يرتكبه الأعراب دون الفحول والمشاهير، ولهذا لا أجيزه لشعراء زماننا كما أجيز لهم العيوب الباقية، اللهم إلا في الأرجاز الحربية التي تقال بديهاً، فإنها تحتمل ما لا يحتمل الشعر الكائن عن روية وتمهل. فإن قيل: فهل العرب تعرف حروف المعجم حتى تلزم بها؟ قيل: إنها وإن لم تعرفها بأسمائها فإنها تعرفها بأجراسها، وتميز بينها بأصدائها. ولهذا يلتزم الشاعر منهم حروف الروي، فلا يخالفه إلا في الأقل، وإلى ما يقرب منه. ولهذا قال قائلهم: لو قد حداهن أبو الجودي *** برجز مسحنفر الروي مستويات كنوى البرني ولا يبعد أن يشعر الواحد منهم بمخارج الحروف ومدارجها، بل هو الغالب من حالهم، لكن لا يتقنون تمييزه. وقد أنشدوا: وقافية بين الثنية والضرس زعم المفسرون أنه أراد الشين أخت الضاد. والحكاية المشهورة عن رجلٍ منهم، أنه قامر على أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح، فلما كده الأمر قال: كبش أملح: قيل له: ما هذا؟ تنحنحت! قال: من تنحنح فلا أفلح. مع أنه قد ورد عن بعضهم تسمية بعض الحروف، قال: الطويل كما كتبت كافٌ تلوح وميمها وقال إلخ ر: الرجز قلت لها قفي فقالت قاف فإن قيل: فلم أجزت الإكفاء للعرب وحظرته على أهل زماننا؟ فنقول: العرب مطبوعون غير متعلمين، وجفاة لايعرفون الكتاب، بل يقولون بالسليقة. وأما المحدثون فأهل كتابة، وتعلم، وتعمل، وإن كان العرب أيضاً غير خالين من تعلم وتعمل وكتابة. ولهذا قلما يقع الإكفاء وغيره من العيوب إلا من الأعراب الأقحاح، البعداء عن التعليم والتخريج. ولهذا قال بعض العلماء: اختلاف حروف الروي هو الإكفاء، وهو غلط من العرب ولا يجوز لغيرهم، لأن الغلط لا يجعل أصلاً في العربية يقاس عليه، وإنما يغلطون فيه إذا تقاربت الحروف. وأنشد: الرجز إن يأتني لصٌ فإني لص *** أطلس مثل الذئب إذ يعس سوقي حداي وصفيري النس وأنشد إلخ فش: الرجز إذانزلت فاجعلاني وسط *** إني كبيرٌ لا أطيق العندا وأنشد غيره: الرجز كأن أصوات القطا المنقض *** بالليل أصوات الحصا المنقز وقال: الرجز والله لولا شيخنا عباد *** لكمرونا عنده وكادوا فرشط لما كره الفرشاط *** بفيشةٍ كأنها ملطاط والملطاط: رحى البزر. وأنشد ابن الأعرابي: الرجز أزهر لم يولد بنجم الشح *** ميمم البيت كريم السنخ وما كان من هذا التغيير في موضع التصريع، فقد يمكن أن لا يكون عيباً، وأن يكون الشاعر لم يقصد التصريع، لكن أتى بما يشبه التصريع، فتوهم عليه العيب. فأما ما أنشده ابن قتيبة من قول الشاعر: الرجز حشورة الجنبين معطاء القف *** لا تدع الدمن إذا الدمن طفا إلا بجرعٍ مثل أثباج القطا فإنه ليس إكفاء كما زعم، لأن الروي الألف لا الفاء. ومن الإكفاء ما أنشدنا بعضهم: الرجز بنيّ إن البرّ شيءٌ هين *** المنطق اللين والطعيم وأنشدنا أيضاً: الرجز قبحت من سالفةٍ ومن صدغ *** كأنها كشية ضبٍّ في صقع الصقع: شبه مخلاة. وفي الحديث أن سعداً، قال: رأيت علياً كرم الله وجهه يوم بدر، وهو يقول: الرجز بازل عامين حديثٌ سني *** سنحنح الليل كأني جني لمثل هذا ولدتني أمي فأما قول أبي جهل: الرجز ما تنقم الحرب العوان مني *** بازل عامين حديثٌ سني لمثل هذا ولدتني أمي وقد روينا نحوه عن علي كرم الله وجهه، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن يكون إكفاءً وما قبل الياء هو الروي. والثاني: أن يكون أراد أن يطلق بالألف فيقول: منياً وسنياً فحذف. والثالث: أن تكون الياء حرف الروي، ويكون مقيداً. وهذا هو الأفصح. انتهى. وهذه جملة منقحة كافية في الإكفاء. والأبيات التي أوردها من أدب الكاتب. أما قوله: إذا نزلت إلخ ، فقد قال ابن السيد، العند بفتحتين: الجانب، ورواه ابن دريد: العند جمع عاند، وهو المائل المنحرف. وزاد بعده: ولا أطيق البكرات الشردا وأما قوله: كأن أصوات القطا...الخ، فقد قال أيضاً: قال أبو علي البغدادي: رويته عن ابن قتيبة المنغص بالغين المعجمة والصاد المهملة، وهو من الغصص، ومعناه المختنق. ورويته عن غير ابن قتيبة المنقضّ بالضاد المعجمة والقاف، وهو الصواب. شبه صوت انقضاض القطاة إذا انقضت بأصوات الحصا إذا قرع بعضها بعضاً. والمنقزّ: المتواثب: يقال قزّ، وانقزّ، إذا وثب. وأما قوله: أزهر لم يولد بنجم...إلخ، فقد قال أيضاً الميمم: المقصود لكرمه. والسنخ بالخاء المعجمة والجيم: الأصل. وقد روى السنح بالحاء المهملة. وأما قوله حشورة الجنبين...إلخ، فقد قال أيضاً: الحشورة: العظيمة. والمعطاء: التي تساقط شعرها. والدمن بالكسر: الزبل. والأثباج، الأوساط. يصف ناقة قد اشتد عطشها، فهي تشرب الماء بما يطفو عليه من الزبل ولا تعافه، وشبه جرعاتها في عظمها بأثباج القطا. وأما قوله: قبّحت من سالفةٍ...إلخ، فقد قال أيضاً: هذا الرجز لجوّاس ابن هريم. والسالفة: صفحة العنق. والكشية بالضم: شحمة يطن الضب والصقع: الناحية من الأرض، ويروى: صقغ بالغين معجمة. هجا امرأة وشبه سالفتها وصدغها في اصفرارهما بكشية ضب في صقع من الأرض. وأراد أن يقول: من سالفتين وصدغين، فلم تمكنه التثنية، فوضع الواحد موضوع الاثنين اكتفاءً بفهم السامع. وقوله: كأنها كشية إنما أفرد الضمير ولم يقل كأنهما لأنه أراد سالفتيها وصدغيها، وهي أربع، فحمله على المعنى. انتهى. ونقلنا شرح هذه الأبيات تكميلاً للفائدة. والبيت الشاهد لم أقف على قائله، والله أعلم به. وأنشد بعده: البسيط لئن منيت بنا عن غب معركةٍ *** لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل على أنه يجوز بقلة في الشعر، أن يكون الجواب للشرط مع تأخره عن القسم، فإن لام لئن موطئة للقسم، وقوله: لا تلفنا جواب الشرط دون القسم، بدليل الجزم. وقد خلا عن ذكر هذه الضرورة كتاب الضرائر لابن عصفور. وأجاب ابن هشام في المغني أن اللام زائدة، ولم يخصه بالضرورة، قال: وليست اللام موطئة في قوله: الطويل لئن كانت الدنيا علي كما أرى *** تباريح من ليلى فللموت أروح وقوله: الطويل لئن كان ما حدثته اليوم صادق *** أصم في نهار القيظ للشمس باديا وقوله: البسيط ألمم بزينب إن البين قد أفد *** قل الثواء لئن كان الرحيل غدا بل هي في ذلك كله زائدة. أما الأولان فلأن الشرط قد أجيب بالجملة المقرونة بالفاء في البيت الأول، وبالفعل المجزوم في البيت الثاني، فلو كانت اللام للتوطئة لم يجب إلا القسم. هذا هو الصحيح. وخالف في ذلك الفراء فزعم أن الشرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه. وأما الثالث فلأن الجواب قد حذف مدلولا عليه بما قبل إن، فلو كان ثم قسم مقدر، لزم الإجحاف بحذف جوابين. انتهى. والجواب الجيد ما قاله الشارح من أن هذا ضرورة، فإن جوابه لا يتأتى في قوله: حلفت له إن تدلج الليل لا يزل ***....................... البيت الآتي وقد نقلوا عن الفراء جوازه في الكلام أيضاً. ورأيت كلامه مضطرباً في هذه المسألة، فتارة أجاز بمرجوحية كما نقلوا، وتارة جزم بأن ما ورد منه في الشعر ضرورة. أما الأول فقد قاله في تفسير قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه} من سورة البقرة، وهذا نصه: صيروا جواب الجزاء بما يلقى به اليمين، إما بلام، وإما بلا، وإما بإن، وإما بما، فتقول في ما: لئن أتيتني ما ذلك لك بضائع. وفي إن: لئن أتيتني إن ذلك لمشكور. وفي ل: لئن أخرجوا لايخرجون معهم . وفي اللام: ولئن نصروهم ليولن الأدبار . وإنما صيروا جواب الجزاء كجواب اليمين، الأن اللام التي دخلت في: ولقد علموا لمن اشتراه ، وفي: لما آتيتكم من كتاب ، وفي: لئن أخرجوا إنما هي لام اليمين، كان موضعها في آخر الكلام، فلما صارت في أوله صارت كاليمين، فلقيت بما يلقى به اليمين. وإن أظهرت الفعل بعدها على يفعل جاز ذلك، وجزمته، فقلت: لئن تقم لا يقم إليك. وقال الشاعر: الطويل لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم *** ليعلم ربي أن بيتي واسع وأنشدني بعض بني عقيل: الطويل لئن كان ما حدثته اليوم صادق *** أصم في نهار القيظ للشمس باديا وأركب حماراً بين سرجٍ وفروةٍ *** وأعر من إلخ اتام صغرى شماليا فألغى جواب اليمين من الفعل، وكان الوجه في الكلام أن يقول: لئن كان كذا لآتينك، وتوهم إلغاء اللام، كما قال إلخ ر: الطويل فلا يدعني قومي صريحاً لحرةٍ *** لئن كنت مقتولاً وتسلم عامر فاللام في لئن ملغاة، ولكنها كثرت في الكلام، حتى صارت كأنها إن. ألا ترى أن الشاعر قد قال: الرمل فلئن قومٌ أصابوا غرةً *** وأصبنا من زمانٍ رققا للقد كانوا لدى أزمانن *** لصنيعين: لبأسٍ وتقى فأدخل على لقد لاماً أخرى، لكثرة ما تلزم العرب اللام في لقد، حتى صارت كأنها منها. وأنشد بعض بني أسد: الوافر فلا والله لا يلفى لما بي *** ولا للما بهم أبداً دواء ومثله قول الشاعر: الطويل كما ما امرؤٌ في معشرٍ غير رهطه *** ضعيف الكلام شخصه متضائل قال: كما ثم زاد معها ما أخرى، لكثرة كما في الكلام، فصارت كأنها منها. وقال الأعشى: البسيط لئن منيت بنا عن غب معركةٍ البيت فجزم لا تلفنا والوجه الرفع، كما قال تعالى: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم}، ولكنه لما جاء بعد حرف ينوى به الجزم، صير مجزوماً جواباً للمجزوم، وهو في معنى رفع. وأنشدني القاسم بن معن عن العرب: الطويل حلفت له إن تدلج الليل لا يزل *** أمامك بيتٌ من بيوتي سائر والمعنى: حلفت له لا يزال بيت، فلما جاء بعد المجزوم، صير جواباً للجزم. ومثله في العربية: آتيتك كي إن تحدث بحديث أسمعه منك، فلما جاء بعد الجزم جزم. انتهى نصه بحروفه. وأما كلامه الثاني فقد قاله عند تفسير قوله تعالى: {لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله} من سورة الإسراء، قال: لا يأتون جواب لقوله: لئن، والعرب إذا أجابت: لئن بلا، جعلوا ما بعد لا رفعاً، لأن لئن كاليمين، وجواب اليمين بلا مرفوع. وربما جزم الشاعر، لأن لئن إن التي يجازى بها زيدت عليها لام، فوجه الفعل فيها إلى فعل، ولو أتى بيفعل لجاز جزمه. وقد جزم بعض الشعراء بلئن، وبعضهم بلا التي هي جوابها. قال الأعشى: لئن منيت عن غب معركةٍ *** لاتلفنا عن دماء القوم ننتقل وتلقنا بالقاف أيضاً. وأنشدتني عقيلية فصيحة: لئن كان ما حدثته اليوم صادق *** أصم في نهار القيظ للشمس باديا وأركب حماراً بين سرجٍ وفروةٍ *** وأعر من إلخ اتام صغرى شماليا وأنشدني الكسائي للكميت بن معروف: لئن تك قد ضاقت عليكم بلادكم *** ليعلم ربي أن بيتي واسع انتهى كلامه ووافقه ابن مالك في التسهيل: وقد يغني جواب الأداة مسبوقة بالقسم. يعني إن لم يتقدم مبتدأ، وأخر القسم عن الشرط، وجب الاستغناء عن جوابه بجواب الشرط، وإن أخر الشرط استغني في أكثر الكلام عن جوابه بجواب القسم، ولا يمتنع الاستغناء بجواب الشرط مع تأخره. ومن شواهد ذلك عنده قول الفرزدق: الطويل لئن بل لي أرضي بلالٌ بدفعةٍ *** من الغيث في يمنى يديه انسكابها أكن كالذي صاب الحيا أرضه التي *** سقاها وقد كانت جديباً جنابها مع أبيات أخر. قال ناظر الجيش: وهذه الأبيات أدلة ظاهرة على المدعى، غير أن المصنف لم ينسب هذا المذهب لبصري، ولا كوفي، جرياً منه على طريقتة المألوفة، وهي أنه إذا قام الدليل عنده على شيء اتبعه، ثم إنه قد ينبه على خلاف في ذلك إن كان، وقد لا يتعرض إلى ذلك. والجماعة يذكرون أن هذا القول، إنما هو قول الفراء. فال ابن عصفور: ولا يجوز جعل الفعل جواباً للشرط إذا توسط بينه وبين القسم. فأما قول الأعشى: لئن منيت بنا البيت وقوله: لئن كان ما حدثته اليوم صادق *** أصم في نهار القيظ للشمس باديا فاللام في لئن ينبغي أن تكون زائدة، كالتي في قوله: أمسى لمجهودا ومن ثم قال أبو حيان: وهذا الذي أجازه ابن مالك هو مذهب الفراء وقد منعه أصحابنا والجمهور. ثم نقل كلام ابن عصفور. وأقول: إن ابن عصفور لم يذكر دليلاً على امتناع ما ذكره المصنف، بل عمد إلى الأدلة على هذا الحكم فأخرجها عن ظاهرها بغير موجب، وحكم بزيادة اللام مع إمكان القول بعدم الزيادة. وبعد فلا يخفى على الناظر وجه الصواب. فالوقوف مع ما ورد عن العرب حيث لا مانع يمنع من الحمل على ظاهر ما ورد عنهم.انتهى كلام ناظر الجيش. والبيت من قصيدة مشهورة للأعشى، تقدم شرح أبيات منها قي الشاهد التاسع والثلاثين بعد الستمائة. وقبله. إني لعمر الذي حطت مناسمه *** تخذي وسيق إليه الباقر الغيل لئن قتلتم عميداً لم يكن صدد *** لنقتلن مثله منكم فنمتثل وإن منيت بنا عن غب معركةٍ ***.......................البيت يخاطب بها يزيد بن مسهر الشيباني، وكان حرض بني سيار، أن يقتلوا سيداً من رهط الأعشى على ما تقدم سببه هناك. وقوله: حطت مناسمها، الحط بمهملتين: الاعتماد. والمنسم، كمجلس: طرف خف البعير، والضمير المؤنث ضمير الإبل، وإن لم يجر لها ذكر، لأن المناسم خاصة بها تدل عليها. والعائد إلى الذي محذوف، تقديره إليه، أي: إلى بيته. وتخدي بالخاء المعجمة والدال المهملة: تسير سيراً شديداً فيه اضطراب لشدتة. وروي: له بدل تخدي، فالعائد مذكور. والباقر: اسم جمع للبقر. والغيل بضم الغين المعجمة والمثناة التحتية: جمع غيل بفتح فسكون، بمعنى الكثير. يقول: أقسم بالله الذي تسرع الإبل إلى بيته، ويساق إليه الهدي. وقوله: لئن قتلتم..........إلخ، اللام موطئة آذنت أن الجواب الآتي، وهو قوله لنقتلن، جواب القسم لا جواب الشرط. والعميد: الكبير الذي يعمد في الأمور الشديدة ويقصد. والصدد، بفتحتين: المقارب. وقوله: فنمتثل، أي: نقتل الأمثل، وهو الأفضل. يعني: والله لئن قتلتم منا دون السيد لنقتل أعظمكم. وتقدم شرحهما بأكثر من هذا مع أبيات أخر في الشاهد السادس والسبعين بعد السبعمائة. وقوله: وإن منيت هكذا جاءت الراوية بالعطف على قوله: قتلتم، والمشهور في كتب النحويين: لئن منيت باللام الموطئة. والأمر سهل. ومنيت بالخطاب والبناء للمفعول، من مني له، أي: قدر. ومني يمني، كرمي يرمي بمعنى قدر، والاسم بالفتح والقصر. قال سويد المصطلقي: البسيط لا تأمن الموت في حلٍّ ولا حرمٍ *** إن المنايا توافي كل إنسان واسلك طريقك تمشي غير محتشمٍ *** حتى تبين ما يمني لك الماني فكل ذي صاحبٍ يوماًيفارقه *** وكل زادٍ وإن أبقيته فاني والخير والشر مقرونان في قرنٍ *** بكل ذلك يأتيك الجديدان روى السيد المرتضي في أماليه أن مسلماً إلخ زاعي ثم المصطلقي، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنشده منشد هذه الأبيات لسويد، فقال صلى الله عليه وسلم: لو أدركته لأسلم. والتاء نائب الفاعل بتقدير المضاف، والأصل مني اجتماعك بنا، فالباء من بنا متعلقة بهذا المضاف، فلما حذف صار الضمير المجرور ضمير رفع. وقوله: عن غب معركةٍ، عن: هنا بمعنى بعد، متعلقة بقوله منيت. وبه استشهد ابن الناظم في شرح الألفية. والغب، بالكسر والمغبة بالفتح: العاقبة، وروى أيضاً: عن جد معركة بكسر الجيم بمعنى الشدة والمجاهدة فيها. والمعركة: موضع الحرب، يقال: عركت القوم في الحرب عركاً، أي: أوقعتهم في الشدة. وعراك معاركةً وعراكاً: أي قاتل. وأصل العرك الدلك والفرك، ومن لازمه التليين والتذليل. وقوله: لاتلفنا، لا: نافية، وتلفنا: مجزوم بإن بحذف الياء على أنه جزاء الشرط. وألفى كوجد معنىً وعملاً فتتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، كقوله: البسيط قد جربوه فألقوه المغيث إذ *** ما الروع عم فلا يلوي على أحد كذا قال ابن مالك. فالمفعول الأول لألفى في البيت ضمير المتكلم مع الغير، وجملة ننتفل: هي المفعول الثاني. وذهب ابن عصفور إلى أنها تتعدى إلى مفعول واحد، وأن المنصوب الثاني حال، واستدل بالتزام تنكيره. ورد بوروده معرفةً كما في البيت، ودعوى زيادة اللام ضعيفة. وعن دماء متعلقة بقوله ننتفل بالفاء. قال صاحب الصحاح: وانتفل من الشيء، أي: انتفى منه وتنصل، كأنه إبدال منه. وأنشد البيت. قال شارح جمهرة الأشعار: يقال: انتفل وانتفى بمعنىً واحد، كما قال: الطويل أمنتفلاً عن نصر بهثة خلتني *** إلا إنني منهم وإن كنت أينما وقيل: ننتفل: نجحد، والمعنى: إن قدر أن تلقانا بعد المعركة لم ننتف من قتلنا قومك، ولم نجحد. انتهى. وقال العيني: قوله: لئن منيت بنا، من مني بأمر كذا، إذا ابتلي به، من مني يمنى من باب فتح يفتح، ومنا يمنو من باب نصر ينصر. وأما مني يمني، إذا أنزل المني، فمصدره منياً على وزن فعل، بفتح الفاء وسكون العين، وبابه من باب ضرب يضرب. ومنى أيضاً بمعنى قدر، ومنه المنية، وهو الموت، لأنه مقدر على إلخ لق كلهم. ومنيت على صيغة المجهول، وبنا جار ومجرور مفعول ناب عن الفاعل. وقوله: لاتلفنا جملة مجزومة لأنها جواب الشرط، وننتفل: جملة وفعت حالاً من الضمير المنصوب في لا تلفنا. هذا خلاصة كلامه فيهذا الباب، فتأمله ترى العجب العجاب. وترجمة الأعشى تقدمت في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب. لئن كان ما حدثته اليرم صادق *** أصم في نهار القيظ للشمس باديا على أنه جاء أصم جواباً مجزوماً لإن الشرطية، بعد تقدم القسم المشعر به اللام الموطئة، وهو قليل في الشعر كالبيت الذي قبله. وهذه اللام تدخل على أداة شرط حرفاً كانت، أم اسماً كما قال الشارح المحقق، تؤذن بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها، لا على شرط، ومن ثم تسمى اللام المؤذنة، وتسمى الموطئة أيضاً، لأنها وطأت الجواب للقسم، أي: مهدته له، سواء كان القسم قبلها مذكوراً، كقوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، أم غير مذكور كقوله تعالى: لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولءن نصروهم ليولن الأدبار. وقد يكتفى بنيتها عن لفظها، كقوله تعالى: وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من إلخ اسرين، والأصل: ولئن لم تغفر لنا. ولولا نيتها لقيل: وإن لم تغفر لنا، وترحمنا لنكون من إلخ اسرين، كما قيل: وإلا تغفر لي وترحمني أكن من إلخ اسرين وكذا قوله تعالى: وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون. وقول بعضهم: ليس هنا قسم مقدر، وإنما الجملة الاسمية جواب الشرط على أضمار الفاء، فقد قال الشارح وغيره: مردود، لأن حذفها خاص بالشعر. قال سيبويه: ولا بد من هذه اللام مظهرةً ومضمرة. يعني اللام التي تقارن أداة الشرط. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: وأكثر ما تكون اللام مع إن. ومن مقارنتها غير إن من أخواتها قوله تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثم جاء رسولٌ مصدقٌ لما معكم اتؤمنن به ولتنصرنه. ومثله قال القطامي: الكامل ولما رزقت ليأتينك سيبه *** جلباً وليس إليك ما لم ترزق ومثله قول إلخ ر: الكامل لمتى صلحت ليقضين لك صالحٌ *** ولتجرين إذا جزيت جميلاً وكذا في المغني لابن هشام، لكنه قال: وعلى هذا فالأحسن في قوله تعالى: لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ إن لا تكون موطئة وما شرطية، بل للابتداء وما موصلة، لأنه حمل على الأكثر. قال ابن جني في سر الصناعة: وقد شبه بعضهم إذ ترد للتعليل، وإن شرط، وهما متقاربان. قال ابن هشام: وأغرب ما دخلت عليه اللام إذ، وهو نظير دخول الفاء في: فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون. شبهت إذ بأن فدخلت الفاء بعدها، كما تدخل في جواب الشرط. انتهى. قال ابن مالك: ولا بد من هذه اللام مظهرةً ومضمرة. وقد يستغني بعد لئن عن جواب، لتقدم ما يدل عليه، فيحكم بأن اللام زائدة. فمن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة: البسيط ألمم بزينب إن البين قد أفد *** قل الثواء لئن كان الرحيل غدا ومثله: الطويل فلا يدعني قومٌ صريحاً لحرةٍ *** لئن قلت مقتولاً ويسلم عامر انتهى. وقال في شرح الكافية: لا قسم في مثل هذه الصورة، فلا يكون إلا شرط. وقال ابن عصفور: وهذه اللام الداخلة على أداة الشرط عند البصريين زائدة للتأكيد، وموطئة لدخول اللام على الجواب، ودالة على القسم إذا حذف. انتهى. ومثله لابن جني في سر الصناعة، قال: واللام في لئن إنما هي زائدة مؤكدة يدلك على أنها زائدة، وأن اللام الثانية هي التي تلقت القسم، جواز سقوطها في نحو قول الشاعر: الطويل فأقسمت أني لا أحل بصهوةٍ *** حرامٌ على رمله وشقائقه فإن لم تغير بعض ما قد صنعتم *** لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه ولم يقل: فلئن. ويدلك أيضاً على أنك إذا قلت: والله لئن قمت لأقومن، أن اعتماد القسم على اللام في لأقومن، وأن اللام في لئن زائدة منها بدٌ، قول كثير: الطويل لئن عاد لي عبد العزيز بمثله *** وأمكنني منها إذن لا أقيلها فرفعه أقيلها يدل على أن اعتماد القسم عليه، ولو أن اللام في لئن عاد لي هي جواب القسم لا نجزم لا أقيلها، كما تقول: إن تقم إذن لا أقم. انتهى كلامه. وهذا البيت ما بعده: الطويل وأركب حماراً بين سرجٍ وفروةٍ *** وأعر من إلخ اتام صغرى شماليا كذا أنشدهما الفراء، وقال: أنشدنيهما بعض عقيل فصيحة، ولم يصرح بقائلهما. وقوله: لئن كان ما... إلخ ، اللام زائدة، وما: عبارة عن الكلام، وحدثته: بالبناء للمفعول، والتاء للخطاب: نائب الفاعل، والهاء ضمير ما. وقد طغى قلم العيني هنا، فقال: حدثته على صيغة المجهول، والضمير المستتر فيه نائب عن الفاعل. انتهى. واليوم: ظرف عامله حدثته، وصادقاً: خبر كان من الهاء. وفيه إسناد مجازي، لأن المتصف بالصدق حقيقة قائل الكلام، لا الكلام. وأصم: جواب الشرط، وفي متعلقة به. والقيظ: شدة الحر، والفصل الذي يقول له الناس الصيف. وللشمس متعلق ببادياً. والبادي: البارز. وروي بدله: ضاحياً. بمعناه. وبادياً: حال من فاعل أصم. وقوله: أركب بالجزم معطوف على أصم. والفروة معروفة. وركوب الحمار بين السرج والفروة هيئة من يندد به، ويفضح بين الناس. وقوله: وأعر: مجزوم بحذف الياء للعطف على أصم أيضاً، وهو بضم الهمزة وكسر الراء، مضارع أعراه إعراء، أي: جعله عارياً. والخاتام: كالخيتام لغة في إلخ اتم بفتح التاء وكسرها. وأراد بصغرى شماله خنصرها، فإن إلخ اتم يكون زينة للشمال، فإن اليمين لها فضيلة اليمن، فجعل إلخ اتم في الشمال للتعادل. يقول: إن كان ما نقلٍ يعني لك، من الحديث صحيحاً، جعلني الله صائماً في تلك الصفة، وأركبني حماراً للخزي والفضيحة والنكال، وجعل حنصر شمالي عارية من حسنها وزينتها بقطعها. هذا ما ظهر لي فيه. والله أعلم. وعقيل بالتصغير: أبو قبيلة، وهو عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأنشد بعده: حلفت له إن تدلج الليل لا يزل *** أمامك بيتٌ من بيوتي سائر على أنه جزم لا يزل في ضرورة الشعر بجعله جواب الشرط، وكان القياس أن يرفع، ويجعل جواباً للقسم، لكنه جزم للضرورة، فيكون جواب القسم محذوفاً مدلولاً عليه بجواب الشرط. وقال ابن عصفور: وليس حلفت فيه قسماً، كما ذهب إليه الفراء، بل هو خبر محض غير مراد به معنى القسم، لأن القسم إذا تقدم على الشرط بني الجواب عليه، ولم يبن على الشرط. انتهى. ولا يخفى تعسفه، والصواب ما ذهب إليه الشارح المحقق. قال الفراء: أنشدني هذا البيت القاسم بن معن عن العرب، والمعنى: حلفت له لا يزال أمامك بيت. فلما جاء بعد المجزوم صير جواباً للجزم. وتدلج: مضارع أدلج إدلاجاً، ومعناه سار الليل كله، فإن سار من آخر الليل، فقد أدلج بتشديد الدال. والليل: ظرف له. ويزل: مضارع زال يزال من أخوات كان. وأمامك بالفتح بمعنى قدامك، خبرها مقدم. وبيت: اسمها مؤخر. ومن بيوتي: صفة له. وكذا سائر. وأراد بالبيت جماعةً من أقاربه، وهذا مشهور. يقول: إن سافرت في الليل أرسلت جماعةً من أهلي، يسيرون أمامك، يخفرونك ويحرسونك إلى أن تصل إلى مأمنك. وهذا البيت لم أقف على قائله ولا تتمته. والله أعلم به. وأنشد بعده: الرجز إنك إن يصرع أخوك تصرع وتقدم شرحه في الشاهد الثاني والتسعين بعد الستمائة، وفي الشاهد الحادي والثمانين بعد إلخ مسمائة. فراجعه. وأنشد بعده: لئن منيت بنا عن غب معركةٍ وتقدم شرحه قريباً. وأنشد بعده: الطويل فإن يك من جنٍ لأبرح طارق *** وإن يك إنساً ما كها الإنس تفعل على أن أداة الشرط، إذا لم يكن لها جواب في الظاهر، يجب أن يكون شرطها ماضياً لفظاً ومعنىً، نحو: أكرمك إن أتيتني، ومعنىً فقط، نحو: أكرمك إن لم تقطعني. وقد يجيء في الشعر مستقبلاً. قال سيبويه: وقد يجوز في الشعر آتي من يأتني. وتقدم نقله في الشاهد الرابع والتسعين بعد الستمائة. وكذا شرط إن في هذا البيت جاء مستقبلاً، مع أنه لا جزاء لها في الظاهر. وهو خاص بالشعر. وقد خلا كتاب الضرائر لابن عصفور من ذكر هذه الضرورة. وبيان أن إن لا جواب لها هنا: أن قوله: لأبرح جواب قسم مقدر، واللام الموطئة محذوفة، أي: والله فلئن يك من جنٍ لأبرح. وهذا دليل جواب الشرط المحذوف، والتقدير: فإن يك من جنٍ فقد أبرح. ولا يجوز أن يكون لأبرح جواب الشرط، لاقترانه باللام التي يجاب بها القسم، فإن إن لا تأتي في جوابها اللام، وأبرح وإن كان ماضياً إلا أنه في معنى المستقبل، لأنه دليل جواب الشرط، كما قاله الشارح المحقق بعد هذه الأبيات. والماضي المتصرف إذا وقع جواب قسم فالأكثر أن يقترن باللام مع قد، نحو قوله تعالى: تالله لقد آثرك الله علينا، وربما، كقول الشاعر: الطويل لئن نزحت دارٌ لسلمى لربم *** غنينا بخيرٍ والديار جميع وبما مرادفة ربما، كقول آخر: إلخ فيف فلئن بان أهله *** لبما كان يؤهل وقد يستغني باللام الماضي المتصرف في النظم والنثر، قال تعالى: ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون. وفي الحديث عن امرأةٍ من غفار أنها قالت: والله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فأناخ. وفي حديث سعيد بن زيد: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلماً الحديث. وإن وجدت استطالة قسم جاز إفراد الفعل، كقوله تعالى: {والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهدٍ ومشهودٍ قتل أصحاب إلخ دود}، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده وددت أن اقاتل في سبيل الله فأقتل الحديث. وإن توجد استطالة والفعل غير متصرف وجب الاقتران باللام مفردة كقوله: المتقارب لعمري لنعم الفتى مالكٌ كذا في شرح التسهيل لابن مالك. وهذا البيت من لامية العرب للشنفرى. وقبله: وليلة نحسٍ يصطلي القوس ربه *** وأقطعه اللاتي بها يتنبل دعست على غطشٍ وبغشٍ وصحبتي *** سعارٌ وإرزيزٌ ووجرٌ وأفكل فأيمت نسواناً وأيتمت إلدةً *** وعدت كما أبدأت والليل أليل وأصبح عني بالغميصاء جالس *** فريقان: مسؤولٌ وآخر يسأل فقالوا: لقد هرت بليلٍ كلابن *** فقلنا: أذئبٌ عس أم عس فرعل فلم يك إلا نبأةٌ ثم هومت *** فقلنا: قطاةٌ ريع أم ريع أجدل فإن يك من جنٍ لأبرح طارق ***.................البيت قوله: وليلة نحس الواو واو رب، وأراد بالنحس البرد، ولهذا يصطلي بالقوس والسهام صاحبها لشدة البرد. وقوله: دعست إلخ ، دعست: دفعت دفعاً بإسراع وعجلة، وهو جواب رب. والغطش: الظلمة. والبغش: المطر إلخ فيف. وجملة وصحبتي إلخ ، حال من التاء. والسعار بالضم: حرٌ يجده الإنسان في جوفه من شدة الجوع والبرد. وإرزيز بالكسر: صوت أحشائه من الشدة. والوجر، بالجيم والراء المهملة: إلخ وف. والأفكل: الرعدة. وأيمت نسواناً، أي: جعلتهن أيامى بقتل أزواجهن. وأيتمت إلدةً، أي: جعلت الأولاد أيتاماً بقتل أبائهم. وشرح هذه الأبيات الثلاثة تقدم بالاستيفاء في الشاهد الثامن بعد الثمانمائة. وقوله: وأصبح عني إلخ ، الغميصاء بضم الغين المعجمة وفتح الميم وبعد المثناة التحتية صاد مهملة، قال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: موضع في ديار بني جذيمة من بني كنانة. وقال الشراح: موضع بنجد. وجملة أصبح: معطوفة على عدت. والجالس: اسم فاعل من جلس الرجل، إذا أتى الجلس، بفتحتين، وهو اسم نجد، كما يقال: أتهم الرجل، إذا أتى تهامة. قال الزمخشري في شرحه: أصبح تستعمل ناقصة وتامة، والوجهان محتملان. أما كونها تامة فيحتمل أنه أخبر عن الفريقين، بأنهما دخلا في الصباح في هذه الحال، وفريقان: الفاعل، وجالساً حال، وبالغميصاء: حال من الضمير في جالس، أي: أصبح جالساً وهو في الغميصاء. والوجه إلخ ر: أن تكون ناقصة وفريقان اسمها، وجالساً خبرها، والواجب أن يطابق إلخ بر الاسم في التثنية والجمع، ولكن اكتفى بالواحد عن الاثنين، وقد جاء ذلك، فمنه قوله: الكامل وكأن في العينين حب قرنفلٍ *** وسنبلاً كحلت به فانهلت فأفرد كحلت وهو يريد كحلتا. وكذلك: فانهلت، أي: فانهلتا. وأما عني فالعامل فيه فعل محذوف يفسره يسأل، تقديره: أصبح يسأل فريقان عني. والداعي إلى هذا التقدير أن يسأل ومسؤول صفة لفريقان، فلو عمل واحد منهما في عني لأعملت الصفة فيما قبلها، ولا تعمل فيما قبلها، لأنها نازلة منزلة الصلة مع الموصول، فكما أن الصلة لا تعمل في الموصول، ولا فيما قبله، فكذلك الصفة. ويجوز أن يكون عني صفة لجالس، فلما قدم صار حالاً. وبالغميصاء ظرف، والعامل فيه جالس، أي: جالساً بالغميصاء، ولا يعمل فيه ما هو صفة لفريقان لما ذكرنا قبل. ويجوز ان يكون خبر أصبح، أي: أصبح فريقان مستقرين بالغميصاء. فعلى هذا يكون جالساً حالاً من الضمير المستقر. ولم تثن الحال لما ذكرنا قبل من الاكتفاء بالواحد. ويجوز أن يكون حالاً من فريقان، لأنه وإن كان نكرةً فقد وصف. ويجوز أن يكون جالساً صفة لفريقين، وإنما أفرد لما تقدم، فلما قدم جالساً نصب على الحال. ومسؤول: خبر مبتدأ محذوف، أي: أحدهما مسؤول، والآخر يسأل. وقال شيخنا محب الدين: الجيد أن تقدر المبتدأ، هما فريق مسؤول، وآخر يسأل. انتهى كلامه. وقوله: وقالوا لقد هرت إلخ ، قال الزمخشري هرير الكلب: صوته ونباحه من قلة صبره على البرد. وهر الكلب يهر هريراً. والعس: الطوف بالليل. وعس الكلب، إذا طاف وطلب، ومنه سمي العسس. والفرعل بضمتي الفاء والعين المهملة: ولد الضبع. والفاء رابطة لما بعدها بما قبلها، واللام في لقد جواب قسم محذوف، أي: والله لقد. وبليلٍ ظرف لهرت، ويجوز جعله حالاً من كلابنا، وموضع هذه الجملة نصب بقالوا. وقوله: أذئب يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: أهو ذئب عسٌ، فعس على هذا صفة ذئب، أي: عاسٌ. ويجوز أن يكون مرفوعاً بفعل يفسره عس، وعلى هذا لا يكون لعس محل لأنه مفسر. وأم معادلة لهمزة الاستفهام متصلة، لأنه يصح أن يقدر بأيهما، فيقال: أيهما عسٌ. وقيل منقطعة، لأن كل واحدٍ من الاسمين، وهما ذئب وفرعل قد اختص بخبر أسند إليه. انتهى. وقوله: فلم يك إلا نبأة إلخ ، قال الزمخشري: أصله يكون، حذفت حركة النون بالجازم فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، ثم حذفت النون لكثرة استعمال هذه الكلمة. ولا يقاس عليها. وكان هنا تامة، لأنها بمعنى الوجدان، ونبأة فاعلها. والنبأة: الصوت. والتهويم: النوم، وفاعل هومت ضمير الكلاب. وثم عطفت جملة هومت على جملة لم يك. وريع: أفزع. والروع: الإفزاع. والأجدل: الصقر. والمعنى: أنه لم يوجد من الأصوات إلا نباة، فزال نوم الكلاب، كما يزول نوم القطاة، والأجدل بأدنى حركة وصوت. والكلام في رفع قطاة، وأم كما تقدم. وترك التأنيث في ريعت شاذ كقوله: المتقارب ولا أرض أبقل إبقالها وقيل: إن القطاة طائر، والطائر اسم جنس فلم تلحق التاء حملاً على الجنس، فكأنه قال: أطائر ريع. انتهى. وقوله: فإن يك من جن إلخ ، اسم يك ضمير يعود على الطارق المفهوم من المقام. والطارق: الذي يأتي ليلاً. ومن جن: خيره. وقال الزمخشري: اسم يك مضمر فيها، أي: إن كان المرء. ومن جن خيره، أي جنياً. واللام في لأبرح جواب قسم محذوف، أي: والله لأبرح، وجوابه أغني عن جواب الشرط. والبرح: الشدة. وطارقاً تمييز، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في أبرح، وهو الطارق، والكاف يجوز أن تكون اسماً فموضعها نصب بتفعل، أي: ما تفعل الإنس مثلها. والضمير عائد إلى الفعلة التي وجدت. والإنس: مبتدأ، وتفعل: خبره. انتهى. ودخول الكاف على الضمير ضرورة، والضمير لا عائد إلى المفهوم من المقام، أي: ما تفعل الإنس مثل هذه الفعلة التي فعلها هذا الطارق. وقال التبريزي في شرحه: أبرح بمعنى كرم وعظم، ويجوز أن يكون حكى عن القوم، فيريد أنه كان يأتي بالبرحاء وهي الداهية. وقال فيه بعض اللغيون: أبرح: أتى بالبرح، وهي الشدة. انتهى. وترجمة الشنفري تقدمت في الشاهد السادس والعشرين بعد المائتين مع شرح أبيات من هذه القصيدة. وأنشد بعده: الطويل فإن تبتئس بالشنفري أم قسطلٍ *** لما اغتبطت بالشنفري قبل أطول لما تقدم قبله. من أن وقوع المضارع شرطاً لإن التي لا جواب لها في الظاهر ضرورة، والقياس فإن ابتأست، فإن جملة: لما اغتبطت إلخ ، جواب قسم مقدر، ولام التوطئة قبل إن مقدرة، والتقدير: فوالله لئنن لم تبتئس. وجواب الشرط محذوف وجوباً مدلول عليه بجواب القسم. وتبتئس: تفتعل من البؤس بالضم وسكون الهمزة، ويجوز تخفيفها. يقال: بئس بالكسر، إذا نزل به الضر، فهو بائس، وابتأس: لقي يؤساً وحزناً، والباء سببية، أي: بسبب فرق الشنفري، وهو صاحب هذه القصيدة الشهيرة بلامية العرب. وهذا البيت منها، والذي قبله أيضاً. والشنفري بالقصر، قال التبريزي في شرح الحماسة، قال أبو العلاء: تكلم بعض الناس في اشتقاق هذا الاسم، فزعم قوم أنه يراد به الأسد، وقيل: الجمل الكثير الشعر، ويجب أن يكون من قولهم: شنفارة، إذا كان حاداً. وإن كان النون زائداً فيجوز أن يكون من قولهم: أذن شفارية إذا كانت كثيرة الشعر والوبر. وقالوا: ضبٌ شفاري، إذا كان طويلاً ضخماً. وقالوا: شفر الرجل، إذا أقل العطية. وشفر المال، إذا قل. انتهى. وقال في شرح القصيدة: قال أبو العباس ثعلب: الشنفري: البعير الضخم، وقال: الشنفري: العظيم الشفتين. انتهى. وتقدمت ترجمته مع شرح أبيات من أولها في الشاهد السادس والعشرين بعد المائتين. والقسطل: الغبار. وأم قسطل: كنية الحرب، سميت به لأنها تثير الغبار وتولده. واغتبطت فاعله ضمير أم قسطل. واغتبط: مطاوع غبطته من الغبطة، يقال: غبطت الرجل أغبطه غبطاً من باب ضرب، والاسم الغبطة بالكسر، إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ما له، وأن يدوم عليه ما هو فيه. وحسدته أحسده حسداً، إذا اشتهيت أن يكون لك ما له، وأن يزول عنه ما هو فيه. فغبطته: تمنيت أن أكون مثله. واغتبط صار مغبوطاً. والباء للسببية، وقبل بالبناء على الضم، أي: قبل موته، وما مصدرية مؤولة مع الفعل بالمبتدأ، بتقدير مضاف. وأطول: خبره، والتقدير: لزمن اغتباطها بالشنفري قبل موته أطول من زمن بؤسها بموته. وقال شراح القصيدة: ما بمعنى الذي، وهو مبتدأ، وأطول خبره، ويجوز أن تكون ما مصدرية، فإذا كانت بمعنى الذي كان العائد محذوفاً تقديره: للذي اغتبطت به من الشنفري وبسببه، هذا كلامهم، ولا يخفي تكلفه. وقال المعرب: لما اغتبطت جواب قسم محذوف، وهذا الجواب أغنى عن جواب الشرط، والشرط هنا موطئ للقسم، وأكثر ما يأتي باللام، وقد جاء بغير لام. قال تعالى: {وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا}. انمتهى. ولم يتعرض أحد منهم لما تعرض له الشارح المحقق. وأنشد بعده: الطويل لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم *** ليعلم ربي أن بيتي واسع على أن فعل الشرط المحذوفة جوابه قد جاء مضارعاً في ضرورة الشعر، والقياس: لئن كانت. وتقدم شرحه في الشاهد الرابع عشر بعد الثمانمائة. وأنشد بعده:
|